محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
الإنسان -كما فهمت- كائن عفوي الحياة في نشوئه الأول و توصف الحالة دينيا ، بأنها ” فطرية”..
ربما تكون السمة الأساسية لهذه لعفوية الانسان ، في سياق خَلْقي تكويني… يجعل منها؛ صيغة طبيعية لأنشطته التي حاول فيما بعد أن يصنفها في:1- المحافظة على البقاء في الحياة.
2- استمراريتها (التكاثر).3- تحسين شروطها، بإضفاء سهولة ومتعة وجمال… على أنشطتها، ونتائج ترتبت عليها… (مجمل الإنتاج عموما). ومنها السلم والأمن والأمان… كبيئة ضرورية لتحقيق ما سبق.
وكأن تفاعل الإنسان مع الواقع – كتأثير واقعي- فرض أنماطا مختلفة من السلوك، أدى إلى أن “العفوية الأساسية ” -إن صح التعبير- أو الفطرة… تتخذ أشكالا واتجاهات جديدة، بحسب طبيعة هذا التفاعل مع الواقع، ومنعكسات نتائجها على السلوك في اتجاهات التغيير الحاصلة.
جهد الإنسان-ولا يزال- على فهم الانبثاق الأول لوجوده في الكون- الخلق والنشوء- وأفرز جهده هذا؛ أفكارا ونظريات مختلفة إلى درجة التناقض أحيانا ومنها مثلا:
– رؤية دينية تعتمد على فكرة أن “آدم ” هو أبو البشر، خالقه إله واحد أحد.
“قل هو الله أحد، ألله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا احد” القرآن.
– نظرية تتبنى فكرة حدوث “خلية أولى” صدفة ؛ نتيجة تفاعل كيميائي في لحظة ما، ومن ثم تطورت الخلية إلى تجليات مختلفة ومتدرجة عبر عمر زمني – لم يمكن تحديده ، افتُرِض ، وقدر بآلاف السنين- عبر حالتي نشوء وارتقاء( بحسب نظرية داروين) واعتمادا على اصطفاء طبيعي.
فمات من لم يصلح، وعاش من صمد أمام صعوبات الظروف. ولعل سلوك بعض الشعوب في: غطس المولود حديثا في الخل –ربما اليونان او الرومان- كاختبار لمدى قابليته للحياة تستند إلى هذا المعنى.في الاعتقاد.
هل يمكننا الجزم بترجيح أي نظرية بأدلة تلزم الجميع بالقبول به ؟
– لا طبعا …فبعد مرور قرون طويلة لا تزال لكل من النظريات المختلفة أنصارها-ومنها تلك المتناقضة-
ربما كان الأفضل –والحالة هذه- أن يبقى لكل فريق حريته في الاعتقاد ، والعمل على إيجاد صيغة احترام متبادل بين الجميع، فيما يتعلق بالمعتقد،دينيا كان أم نظريات فلسفية ام منظومات فكرية ذات مساس بالحياة عموما، وفي أي تجل كان ضمن ضوابط يتم قبولها ، لما لها من دور في تنظيم الحياة ، ومنع صدامات وصراعات تؤثر سلبا على استقرار الحياة والتعايش فيها ، وبالتالي عمارة الكون.
ولقد وجد الغربيون قبل غيرهم في مفهوم الحرية -كممارسة في ظلال الديمقراطية – منهج سلوكي أفضل -و حققوا نجاحا في تطبيقه عمليا –
لأن ممارسة الإنسان هذا المنهج –الحرية والديمقراطية- بفهم يقدّر للآخرين الحق فيما يتمتع به هو بجد، يوفر قبولا متبادلا لحق الاختلاف -ليس كفكرة فحسب، بل كممارسة عن قناعة وإيمان- وضرورة احترام هذا الاختلاف واقعيا. عبّر عن هذا المعنى بعض فقهاء الثقافة الاجتماعية الغربية بالقول:
” تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين” أو ” تبدأ حريتك عندما تنهي حرية الآخرين“.
والعبارتان معا تزيدان من إيضاح الفكرة.
إذا –كمبدأ– فإن الاعتراف المتبادل بين المختلفين من الناس –أفرادا وجماعات –أيا كانت- هو البداية أو الإطار التي يفترض التأسيس عليها في فهم العلاقات، لاسيما في تلك التي تكون أكثر إشكالية من الناحية الواقعية، كما في السياسة حيث التجاذب والتصارع لوجود مصالح ومنافع قد لا تحسن المبادئ احتواءها دائما.
هذه المنافع والمصالح ملتصقة بالرغبات والنوازع النفسية المتصلة باللذة وهذه ذات تأثير قوي في حياة الناس، لأن الحد منها، أو تأطيرها… يتطلب نموا ونضجا عقليا يوفر الوعي والإرادة لكبح جماح النوازع هذه وتنظيمها في سياق احترام الغير.
واقعيا هذا لا يتحقق إلا لنسبة قليلة من البشر ،بسبب الحاجة إلى جهد مستمر لحيازتها، وهذا جعل التصنيف الذي لا زال قائما في الثقافة الاجتماعية –الخاصة وخاصة الخاصة والعامة…
أو تستعمل عبارات أخرى للدلالة على ذات المعنى ، النخبة ونخبة النخبة والشعبية –والشعبوية …الخ.ولكل مفهوم او مصطلح ، دلالة محددة عادة.
و ابتكرت إضافة الواو للدلالة على كلمات خالية من المضمون الأصلي لها : الثوروية، القوموية، الشعبوية… الخ.
وهناك كلمات أخرى يفترض معرفتها لدلالات اجتماعية سياسية مثل “حثالة ا لمجتمع“ في الفهم الماركسي لبعض المكونات الاجتماعية ..
كل ذلك محاولات لضبط المعاني، وطبيعة، ومستوى فهم البشر؛ لقضايا الحياة المعبَّر عنها بالمفاهيم النظرية كانعكاس لأحداث ووقائع تجري في الأرض. يهدف هذا إلى ضبط الفهم في القضايا الصغيرة داخل الأسرة ، وفي القضايا الكبيرة في مستوى الفعالية الاجتماعية –السياسية-الاقتصادية…الخ.
هنا يمكننا أن نميز بين نوعين من الجهود البشرية في البحث :
– الجهد ذو الأساس المعرفي/الفلسفي -ودعنا نقول ثقافي بالمعنى الأساسي الايجابي للثقافة -، وهو جهد حياتي طبيعي، وتوجه باحث وتأملي مستقل يهدف لبلوغ الحقيقة –أية حقيقة- بموضوعية.
ويفترض بنا- بشكل عام- أن ننحاز إلى مثل هذا الجهد، ونستجيب له ،باعتباره جهدا يمثل النشاط والفعالية والمنهج الأجدى في عملية بناء الحياة ككل.
– الجهد الذي يتناول القضايا استنادا إلى أساس نفسي –ذاتي ومصلحي ..يتخذ من المعطيات المعرفية –الفلسفية –أو الثقافية ..أدوات لتحقيق هذه المصالح والرغبات الذاتية…(يبدو شيء من هذا في التأسيس للأيديولوجيا).
حري بنا أن نكون حاسمين-فيما أراه- بشأنها، ولا نشارك فيها إلا بالقدر الذي يستجيب للنوع الأول من الجهود… ضمانا لبناء صيغة حياتية تتوفر فيها شروط أفضل لحياة مأمولة، تتجه إلى تحقيق الرضا ورذاذ من السعادة. |